سورة الحديد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض} يعني: قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار {ولا في أنفسكم} من الأمراض، وفقد الأولاد {إلا في كتاب} وهو اللوح المحفوظ {من قبل أن نبرأها} أن نخلقها، يعني: الأنفس {إن ذلك على الله يسير} أي: إثبات ذلك على كثرته هيِّن على الله عز وجل {لكيلا تأسَوا} أي: تحزنوا {على ما فاتكم} من الدنيا {ولا تفرحوا بما آتاكم} وقرأ أبو عمرو الا اختيار اليزيدي بالقصر على معنى: جاءكم من الدنيا. وقرأ الباقون بالمدّ على معنى: أعطاكم الله منها. وأعلم أنه من علم أن ما قضي لا بدَّ أن يصيبه قلَّ حُزنه وفرحه. وقد روى قتيبة بن سعيد قال: دخلت بعض أحياء العرب، فإذا بفضاء من الأرض فيه من الإبل ما لا يحصى عدده كلُّها قد مات، فسألت عجوزاً: لمن كانت هذه الإبل؟ فأشارت إلى شيخ على تلٍّ يغزل الصوف فقلت له: يا شيخ ألك كانت هذه الإبل؟ قال: كانت باسمي، قلت: فما أصابها؟ قال: ارتجعها الذي أعطاها، قلت: فهل قلت في ذلك شيئاً؟ قال نعم، قلت:
لا والَّذي أَنَا عَبْدٌ في عِبَادَتِهِ *** والمَرْءُ في الدَّهْر نصْبَ الرُّزْءِ والحَزَنَ
ما سَرَّني أَنَّ إبْلي في مَبَارِكِها *** وما جرى في قَضَا رَبِّ الوَرَى يَكُنِ
وما بعد هذا قد ذكرناه في سورة [النساء: 37] والذي قيل في البخل هناك هو الذي قيل هاهنا إلى قوله: {ومن يتول} أي: عن الإيمان {فإن الله هو الغني} عن عباده {الحميد} إلى أوليائه. وقد سبق معنى الاسمين في [البقرة: 267] وقرأ نافع وابن عامر: {فإن الله الغني الحميد} ليس فيها {هو} وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة، والشام.


قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} أي: بالآيات والحجج {وأنزلنا معهم الكتاب} ببيان الشرائع، والأحكام. وفي {الميزان} قولان:
أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثاني: أنه الذي يوزن به، قاله ابن زيد ومقاتل. فعلى القول الأول: يكون المعنى: وأمرنا بالعدل. وعلى الثاني: ووضعنا الميزان، أي: أمرنا به {ليقوم الناس بالقسط} أي: لكي يقوموا بالعدل.
قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد} فيه قولان:
أحدهما: أن الله تعالى أنزل مع آدم السندان، والكلبتين، والمطرقة، قاله ابن عباس.
والثاني: أن معنى {أنزلنا}: أنشأنا وخلقنا، كقوله تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6].
قوله تعالى: {فيه بأس شديد} قال الزجاج: وذلك أنه يُمتَنع به، ويُحارَب به {ومنافع للناس} في أدواتهم: وما ينتفعون به من آنية وغيرها.
قوله تعالى: {وليعلمَ الله} هذا معطوف على قوله تعالى: {ليقومَ الناس}، والمعنى: ليتعامل الناس بالعدل وليعلم الله {من ينصره} بالقتال في سبيله، ونصرة دينه، وذلك أنه أمر في الكتاب الذي أنزل بذلك. وقد سبق معنى قوله تعالى: {وليعلم الله} في مواضع. وقوله تعالى: {بالغيب} أي: ولم ير الله، ولا أحكام الآخرة، وإنما يجهد ويثاب من أطاع بالغيب.


قوله تعالى: {وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} يعني: الكتب {فمنهم} يعني: من الذرية {مهتدٍ وكثير منهم فاسقون} فيه قولان:
أحدهما: كافرون، قاله ابن عباس.
والثاني: عاصون، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {ثم قَفَّينا على آثارهم} أي: أَتْبَعْنا على آثار نوح، وإبراهيم، وذريتهما {بعيسى} وكان آخر أنبياء بني إِسرائيل، {وجعلنا في قلوب الذين اتَّبعوه} يعني: الحواريين وغيرهم من أتباعه على دينه {رأفةً} وقد سبق بيانها [النور: 2] متوادّين، كما وصف الله تعالى أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: {رحماء بينهم} [الفتح: 29].
قوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها} ليس هذا معطوفاً على ما قبله، وإنما انتصب بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، تقديره: وابتدعوا رهبانيةً ابتدعوها، أي: جاؤوا بها من قِبل أنفسهم، وهي غلوُّهم في العبادة، وحمل المشاق على أنفسهم في الامتناعِ عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبُّد في الجبال {ما كتبناها عليهم} أي: ما فرضناها عليهم. وفي قوله تعالى: {إلا ابتغاء رضوان الله} قولان:
أحدهما: أنه يرجع إلى قوله تعالى: {ابتدعوها}، وتقديره: ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، ذكره علي بن عيسى، والرماني عن قتادة، وزيد بن أسلم.
والثاني: أنه راجع إلى قوله تعالى: {ما كتبناها} ثم في معنى الكلام قولان. أحدهما: ما كتبناها عليهم بعد دخولهم فيها تطوعاً إلا ابتغاء رضوان الله. قال الحسن: تطوَّعوا بابتداعها ثم كتبها الله عليهم. وقال الزجاج: لما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع لزمهم إِتمامه، كما أن الإنسان إِذا جعل على نفسه صوماً لم يفترض عليه، لزمه أن يتمَّه. قال القاضي أبو يعلى: والابتداع قد يكون بالقول، وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه، وقد يكون بالفعل بالدخول فيه. وعموم الآية تتضمن الأمرين، فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة، قولاً، أو فعلاً، فعليه رعايتها وإِتمامها.
والثاني: أن المعنى: ما أمرناهم منها إِلا بما يرضي الله عز وجل، لا غير ذلك، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {فما رَعَوْها حق رعايتها} في المشار إليهم قولان:
أحدهما: أنهم الذين ابتدعوا الرهبانية، قاله الجمهور. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم ما رَعَوْها لتبديل دينهم وتغييرهم له، قاله عطية العوفي.
والثاني: لتقصيرهم فيما ألزموه أنفسهم.
والثالث: لكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لما بُعث، ذكر القولين الزجاج.
والثاني: أنهم الذين اتبعوا مبتدعي الرهبانية في رهبانيتهم، ما رَعوها بسلوك طريق أوليهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قوله تعالى: {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} فيهم ثلاثة أقوال.
أحدها: الذين آمنوا بمحمد {وكثير منهم فاسقون} وهم الذين لم يؤمنوا به.
والثاني: أن الذين آمنوا: المؤمنون بعيسى، والفاسقون: المشركون.
والثالث: أن الذين آمنوا: مبتدعو الرهبانية، والفاسقون: متبعوهم على غير القانون الصحيح.

1 | 2 | 3 | 4